في الجزء الآسيوي لمدينة إسطنبول التركية، وتحديدا في منطقة “قاضي كوي” الساحلية، ينتشر عبق التاريخ في جميع أرجاء المكان، ليتقاطع مع مشهد التجار والمارة، فيرسم لوحة جميلة تنافس بسحرها الجزء الأوروبي.
ومع أن كثيرين يعتبرون أن الجزء الأوروبي أكثر حيوية، ما يؤهله لأن يكون وجهة للزيارة أو الاستكشاف، إلا أن منطقة “قاضي كوي” أو كما تُعرف بالمركز الثقافي للجانب الآسيوي، تستحق الزيارة أيضا.
ففي هذه المنطقة، تتزاحم جميع التفاصيل فيها، من البنايات وصولا إلى هوائها وحتى المتجولين في أرجائها، لتمنحها خصوصية غالبا ما ترفع مستوى الفضول لدى أي زائر جديد، وتدفعه لسبر أغوارها وأسرارها.
وتقع هذه المنطقة المكتظة بالسكان في الجزء الآسيوي لمدينة إسطنبول، على الساحل الشمالي لبحر مرمرة.
ويرجع تاريخها إلى العصر النحاسي، أي إلى ما بين 5500 إلى 3500 قبل الميلاد، وفقا للآثار والحجارة والعظام والمجوهرات التي تم العثور عليها.
وبناء على ما تقدم، يعتقد المؤرخون أن “قاضي كوي” هي المستعمرة الأقدم في منقطة آسيا الوسطى.
وكانت المنطقة مستوطنة يونانية ريفية خارج حدود المدينة، قبل أن يسارع العثمانيون بضمها تحت ولاية محاكم إسطنبول، وحملت اسم “قاضي كوي”، أي “قرية القاضي”.
وتدريجيا، تحولت المنطقة إلى سوق مركزي للسلع الزراعية، وهو ما ساعد على تحويلها لمنطقة سكنية يقصدها الأفراد للعيش والعمل، خصوصا القادمين منهم إلى المدينة عن طريق البحر.
وتعد محطة “حيدر باشا” للقطارات في “قاضي كوي” إحدى المعالم التاريخية القديمة، وربما أشهرها، إذ انطلقت منها أول رحلة إلى بغداد (العراق) عام 1908، بعد أن وضع السلطان عبد الحميد الثاني حجر أساسها قبل ذلك بعامين.
ولاحقا، شكلت المحطة بداية خط السكة الحديدية الرابط بين إسطنبول وبغداد.
ودُشنت المحطة برعاية إحدى الشركات الألمانية التي أضافت إليها ميناء لتحميل وتنزيل المقطورات المحملة بالبضائع، لتكون المحطة تجارية إلى جانب كونها محطة نقل ركاب، الأمر الذي لم يكن السلطان عبد الحميد قد خطط له قبل الفكرة، لكنه فيما بعد أثنى عليها.
وإبان الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، تعرضت المحطة لانفجار ضخم جراء اشتعال مخزن للأسلحة كان موجودا بجانبها.
وفي عام 1976، بدأت عمليات إصلاحها وترميم المحطة على يد المهندسين الألمانيين أوتو ريتار وهالموث كونو، وانتهت عام 1983 لتصبح على حالها الذي هي عليه اليوم، وقريبةً من شكلها المعماري الأصلي.
كما تعرضت المحطة لحريق ضخم عام 2010 أفقدها سقفها الأصلي، إلا أنها لا تزال قائمة حتى اليوم، شاهدة على أحد المشاريع الكبرى الحاملة لشعار الوحدة الإسلامية التي كان يسعى إليها السلطان عبد الحميد الثاني.
ونسبت المحطة إلى “حيدر باشا” أحد قادة السلطان سليم الثالث الذي عرف بشجاعته وإخلاصه للدولة العثمانية، وتجري فيها تعديلات لتكون محطة قطارات سريعة لنقل الركاب من إسطنبول إلى المدن الأخرى.
ومؤخرا، اختارت مجلة “تايم آوت” الشهيرة، حي “قاضي كوي“ بالشطر الآسيوي في إسطنبول ضمن قائمة أروع 100 حي سكني في العالم.
وجرى إعداد القائمة من قبل محرري المجلة الشهيرة باستطلاع رأي 15 ألف مشترك من مختلف أنحاء العالم.